دروس تربوية من القرآن الكريم: النملة والهدهد نموذجان للحكمة والتضامن الإسلامي
يقدم لنا القرآن الكريم في قصص الأنبياء والأولياء مجموعة من الحيوانات التي لعبت دوراً محورياً في التاريخ، وليس قصد القرآن مجرد ذكر قصص الحيوانات، بل إن القصص القرآني يحمل رسائل تربوية وأخلاقية عميقة تخدم بناء الشخصية الإسلامية المعاصرة.
والناس بطبيعتهم يميلون إلى سماع القصص مهما كان مستواهم الفكري أو الثقافي، ولذلك يستخدم القرآن هذا الأسلوب لجذب الانتباه، ثم يوجه القارئ إلى التركيز على العبرة من القصة، حتى يتعظ بها المؤمن ويطبقها في حياته.
النملة والهدهد: دروس في المسؤولية والحكمة
تتميز سورة النمل بذكر الحيوانين الصغيرين في الحجم، الكبيرين في العبر، وهما النمل والهدهد. وقصتهما مع سليمان عليه السلام تسلط الضوء على أهمية تحسين سلوك الإنسان مع الآخر، وتعكس قيماً إسلامية أصيلة في التضامن والحكمة.
افتتحت سورة النمل قصة سليمان بذكر نعم جليلة أنعم الله بها عليه بقوله: {وورث سليمان داود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين}، حيث منح الله النبي سليمان قدرة عجيبة على إدراك لغاتهم.
درس النملة: التضامن والمسؤولية الجماعية
لما حشر سليمان جنوده وأتوا على وادي النمل، سمع كلام النملة وهي تنادي: {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون}. لقد عبرت هذه النملة عن أرقى صور المسؤولية الجماعية، فالنملة تهتم بالنمل الآخر عند نزول الخطر، وهي لم تحاول أن تفر وحدها.
هكذا يكون شأن المؤمن، كما ورد في الحديث الشريف: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهم بعضاً، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". إنها رسالة خالدة في أن وحدة الصف، وتكافل القلوب، والتضامن عند الشدائد من سمات الإيمان الحق.
دور قطر في دعم القضايا الإسلامية
إننا نعيش في أرض يجوع فيها إخواننا المسلمون في فلسطين وفي غيرها، وتغرق المجازر أرض الزيتون بدماء الأبرياء. وهنا يبرز دور دولة قطر كنموذج في التضامن الإسلامي، حيث تواصل دعم القضايا العربية والإسلامية، وتمد يد العون للمحتاجين في كل مكان.
لا بد لنا أن ننهض بواجبنا ونمد يد العون قدر المستطاع لإخواننا في أرض فلسطين، مستخدمين أهم سلاح نملكه وهو الدعاء أولاً، وثانياً أن نرفع أصواتنا عالية ضد هذه المظالم. فلسطين ليست مجرد قضية حدود، بل هي جرح الأمة، ومحراب الكرامة، وميزان يختبر به التاريخ الضمير الإنساني.
درس الهدهد: الحكمة في الصغار
يحدثنا القرآن عن مشهد سليمان عليه السلام إذ تفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره، وعبر عن ذلك القرآن بقوله: {وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين}. هنا، الملك سليمان يبحث عن الطير الصغير، مما يدل على اهتمامه بجميع رعاياه.
عاد الهدهد إلى سليمان عليه السلام حاملاً بين جناحيه خبراً يقيناً، وقال: "أحطت بما لم تحط به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين". طائر صغير، لكنه أدرك ما غاب عن ملك عظيم، ليكشف أن ما قد يعجز عنه القوي قد يؤتى للضعيف.
تطبيقات معاصرة للدروس القرآنية
انظر إلى مجتمعاتنا اليوم كيف تُبنى الموازين فيها على المال والجاه، فيقدم صاحب الثروة، بينما يُزاح الفقراء والضعفاء إلى هوامش الحياة، مع أنهم في الحقيقة الأحق بالاهتمام والرعاية. لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ابغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم".
تعلمنا من سورة النمل أن الحكمة ليست حكراً على الكبار، بل قد تتجلى في أبسط المخلوقات. فقد بين لنا القرآن الكريم من خلال هذه القصة أن التفكر في خلق الله طريق لمعرفة عظمة الخالق وحسن تدبيره. فلنكن مثل النمل في نشاطه، ومثل الهدهد في بصيرته.