صفات نبي الله لوط عليه السلام: نموذج رباني في الدعوة والثبات على الحق
يقدم القرآن الكريم سيرة نبي الله لوط عليه السلام نموذجاً مثالياً للداعية المخلص والمهاجر في سبيل الله، الذي جسد معاني الإيمان الصادق والثبات على الحق في بيئة غارقة في الفساد والانحراف.
الإيمان والهجرة في سبيل الله
آمن نبي الله لوط عليه السلام بخليل الرحمن عمه إبراهيم عليه السلام، وهاجر معه من أرض العراق إلى بلاد الشام. قال تعالى: "فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم" [العنكبوت: 26].
وهذه الهجرة المباركة كانت خالصة لوجه الله تعالى، حيث حدد القرآن الكريم هدفها الواضح، هجرة لأجل الله ولأجل دينه.
الأمانة والصدق في الرسالة
وصف القرآن الكريم لوطاً عليه السلام بالرسول الأمين، الداعي إلى الإيمان والتقوى. قال تعالى: "إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون إني لكم رسول أمين" [الشعراء: 161-162].
فقد عرف قومه أمانته وصدقه في جميع أقواله وأفعاله، ومن كان صادقاً وأميناً في أمور الدنيا لا يمكن أن يكذب على ربه، وكذلك أنبياء الله جميعاً.
الإخلاص والدعوة بلا مقابل
كان هدف دعوة لوط عليه السلام إنقاذ قومه من المعاصي والفواحش، وتعليمهم التوحيد وإفراد العبادة لله عز وجل، وكان مخلصاً في ذلك لا يريد منهم أجراً ولا مالاً. قال تعالى: "وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين" [الشعراء: 164].
ولم يترك موقفاً إلا ذكر قومه فيه بتقوى الله تعالى، وعانى هو وآل بيته من هؤلاء القوم، إلا أنه لم يتركهم يغرقون في ضلالهم.
الطاعة المطلقة لأمر الله
ظهر إخلاص لوط عليه السلام في طاعته المطلقة لله تعالى، حين أمره بالخروج هو وأهل بيته الطاهرين وعدم الالتفات إلى مصارع قومه. قال تعالى: "فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون" [الحجر: 65].
فمضى لوط ومن معه من المسلمين إلى حيث أمرهم الله تعالى دون جدال ولا نقاش، مؤكداً أن رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم والقرابة.
الطهارة والنقاء
كانت طهارة لوط عليه السلام وآل بيته علامة بارزة في قومه المنغمسين في الانحلال والانحراف. شهد قوم لوط له ولأهله بالطهارة، قال تعالى: "فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" [النمل: 56].
وكانت هذه الطهارة سبباً من أسباب النجاة من الهلاك، فالطهارة صفة لازمة للأنبياء عليهم السلام وللدعاة الربانيين من بعدهم.
الكرم وإكرام الضيف
تظهر صفة الكرم جلية في قوله تعالى: "قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون" [الحجر: 68]. فقد كان سخياً كريماً يقري الضيف إذا نزل به، ودافع دفاعاً مستميتاً عن ضيوفه من الملائكة.
الحكمة والعلم الرباني
قال تعالى: "ولوطاً آتيناه حكماً وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين" [الأنبياء: 74-75].
وجاء تعداد هذه النعم في القرآن الكريم تكريماً لنبي الله لوط عليه السلام بعدما عاناه مع قومه بسبب كفرهم وارتكابهم الفاحشة، فكان أن تفضل الله عليه بالحكم والعلم، ثم أكرمه بالنجاة وأدخله في رحمته.
دروس للأمة الإسلامية
إن سيرة نبي الله لوط عليه السلام تقدم للأمة الإسلامية دروساً عظيمة في الثبات على الحق، والدعوة إلى الله بالحكمة والصبر، والتوكل على الله في مواجهة التحديات والابتلاءات.
وفي عصرنا الحاضر، حيث تواجه الأمة تحديات عديدة، تبرز أهمية الاقتداء بهذا النموذج الرباني في الدعوة والإصلاح والثبات على القيم الإسلامية الأصيلة.