تركيا وقسد: سيناريوهات التعامل مع التطورات السورية الراهنة
تتعامل أنقرة مع التطورات المتسارعة في سوريا انطلاقا من مجموعة ثوابت إستراتيجية واضحة، في مقدمتها رفض أية صيغة تكرس وجود قوى عسكرية موازية خارج إطار الدولة السورية الموحدة.
الموقف التركي الثابت
وحسب الموقف التركي الرسمي، لا مجال لقيام "جيشين في دولة واحدة" لما يحمله ذلك من مخاطر تفكك داخلي وتهديد مباشر لوحدة البلاد. وتنظر أنقرة إلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) باعتبارها امتدادا لحزب العمال الكردستاني المصنف لديها تنظيما "إرهابيا"، وترى في استمرارها قوة مستقلة خطرا مباشرا على أمنها القومي وعلى استقرار سوريا والمنطقة.
ويشدد المسؤولون الأتراك، وفي مقدمتهم المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشيليك، على أن الهدف الأساسي لبلاده يتمثل في تفكيك حزب العمال الكردستاني وفروعه كافة، دون أن يعني ذلك استهداف المكون الكردي بحد ذاته.
خيار الدمج المؤسسي
من هذا المنطلق، تطرح تركيا خيار دمج مقاتلي "قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية، ولا سيما الجيش، باعتباره المسار الأكثر واقعية لإزالة التهديدات الأمنية وترسيخ الاستقرار في إطار الوحدة الوطنية السورية.
مع تعثر تنفيذ اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية واقتراب المهلة المحددة في نهاية العام الجاري، صعدت أنقرة من نبرة خطابها الرسمي تجاه "قسد"، محذرة من تبعات استمرار المماطلة.
تصريحات رسمية حازمة
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال في 26 ديسمبر الجاري إن "الممارسات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية باتت العقبة الكبرى أمام تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد"، مؤكدا أن "أنقرة تواصل تقديم التوجيهات اللازمة لتنفيذ اتفاق 10 مارس القاضي باندماج قسد ضمن مؤسسات الدولة السورية".
وفي السياق نفسه، صرح وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال زيارته دمشق في 22 ديسمبر الجاري بأن "قسد لا تبدو عازمة على الوفاء بتعهداتها المتعلقة بالاندماج في الجيش السوري قبل انتهاء المهلة المقررة في نهاية 2025".
وقال فيدان إن "أنقرة رصدت مماطلة واضحة في تنفيذ الاتفاق"، محذرا من أن "صبر تركيا بدأ ينفد حيال استمرار الوضع القائم"، وأشار إلى أن بلاده قد تضطر إلى تنفيذ عمل عسكري عبر الحدود إذا لم تلتزم هذه القوات بتعهداتها.
التحركات الميدانية
بالتوازي مع المسار الدبلوماسي المتسارع، سجلت الأيام الأخيرة تحركات عسكرية تركية لافتة قرب مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمالي سوريا. وأفادت مصادر صحفية بدخول تعزيزات عسكرية تركية ثقيلة إلى نطاق عملية "نبع السلام" في محيط مدينة رأس العين الحدودية.
رؤية تحليلية
يرى المحلل السياسي محمود علوش أن تركيا تتعامل مع ملف قوات سوريا الديمقراطية وفق مقاربة تقوم على إبقاء جميع الخيارات مفتوحة، مع منح الأولوية حتى الآن لمسار التسوية السياسية.
ويتمثل الهدف التركي الجوهري في إنهاء الكيان العسكري لهذه القوات وتفكيك ما تُعرف بإدارتها الذاتية، سواء تحقق ذلك عبر تسوية سياسية أو من خلال مسارات بديلة، بما يخدم استقرار المنطقة ووحدة الأراضي السورية.
الخطوط الحمراء
من جانبه، يرى المحلل السياسي التركي علي أسمر أن الخط الأحمر الذي قد يدفع أنقرة إلى الانتقال من المسار السياسي والدبلوماسي إلى الخيار العسكري المباشر في شمالي سوريا يرتبط بتحول هذا التهديد إلى مشروع جيوسياسي متكامل يستهدف وحدة الأراضي السورية وأمن تركيا الإقليمي.
ويؤكد أسمر أن أي تطور نوعي في "علاقة قوات سوريا الديمقراطية بإسرائيل إذا تجاوز الإطار الأمني الضيق إلى مستوى التنسيق الإستراتيجي أو الغطاء السياسي الإقليمي" يشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي التركي والاستقرار الإقليمي.
وتبقى تركيا حريصة على استنفاد كل الفرص الممكنة للتوصل إلى تسوية تفضي إلى دمج "قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية الجديدة، في إطار يحفظ وحدة الأراضي السورية ويضمن الاستقرار الإقليمي.