ترامب يهدد نيجيريا عسكريا بذريعة حماية المسيحيين: دوافع خفية وراء الخطاب الديني
يثير التهديد العسكري الأميركي الأخير ضد نيجيريا تساؤلات جدية حول استخدام الخطاب الديني غطاء لتحقيق أهداف جيوسياسية واقتصادية، في سابقة خطيرة قد تفتح الباب أمام تدخلات مماثلة في دول أخرى.
قرار متسرع بدوافع إعلامية
بدأت الأزمة عندما شاهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب تقريرا لقناة فوكس نيوز على متن طائرته الرئاسية أثناء رحلة إلى فلوريدا. ادعى التقرير وجود استهداف ممنهج للمسيحيين في نيجيريا، مما دفع ترامب للإعلان عن تصنيف البلد الأفريقي "دولة مثيرة للقلق بشكل خاص" استنادا إلى قانون الحرية الدينية الدولية.
وكتب ترامب على منصته قائلا: "المسيحية تواجه تهديدا وجوديا في نيجيريا. يُقتل آلاف المسيحيين في البلاد، والإسلاميون المتطرفون مسؤولون عن هذه المذبحة الجماعية".
تصاعدت حدة الخطاب أكثر عندما هدد ترامب بأن الولايات المتحدة "قد تقتحم هذا البلد الذي بات ملطخا بالعار للقضاء تماما على الإرهابيين الإسلاميين"، وأصدر تعليماته لوزارة الحرب بالاستعداد لأي تحرك عسكري محتمل.
واقع معقد يتجاوز السرديات المبسطة
تكشف الحقائق على الأرض صورة مغايرة تماما للسردية الأميركية المبسطة. فنيجيريا، التي يبلغ عدد سكانها 230 مليون نسمة، تمثل أحد أكثر المجتمعات تنوعا في أفريقيا، حيث ينقسم السكان بالتساوي تقريبا بين المسلمين (53%) والمسيحيين (45%).
العنف في البلاد له جذور معقدة تتجاوز الطائفية، فهو يشمل صراعات حول الموارد بين الرعاة والمزارعين، وأنشطة عصابات إجرامية تسعى للفدية، ونزاعات انفصالية في الجنوب الشرقي حيث يقتل مسيحيون مسيحيين آخرين.
وتشير بيانات مشروع "أكليد" المستقل لرصد النزاعات إلى أن "الهوية المسيحية كانت عاملا في حوالي 5% فقط من حوادث استهداف المدنيين"، كما أن عدد الضحايا المسلمين جراء العنف يفوق عدد الضحايا المسيحيين بفارق كبير.
نفوذ الإنجيليين في السياسة الأميركية
يعكس موقف ترامب تأثير الناخبين الإنجيليين البيض الذين يمثلون ركيزة أساسية في قاعدته السياسية، حيث أيد أكثر من 80% منهم ترامب خلال انتخابات 2024. هؤلاء يتبنون قراءة لاهوتية تعلي من شأن معاناة المسيحيين ضمن سردية كونية للانتصار المسيحي.
وقد وصف ترامب المسيحية بأنها "أكثر الديانات اضطهادا على وجه الأرض"، فيما شكرته المستشارة الروحية بولا وايت-كين علنا على "موقفه الحازم تجاه اضطهاد المسيحيين في نيجيريا".
المصالح الاقتصادية والجيوسياسية الحقيقية
تحجب سردية الاضطهاد الديني المصالح المادية الكامنة وراء التهديدات الأميركية. فنيجيريا هي أكبر منتج للنفط في أفريقيا، وتنتج خاما عالي القيمة جذابا لأسواق الطاقة الأميركية. التبادل التجاري الثنائي تجاوز 11 مليار دولار عام 2023، والاستثمارات الأميركية المباشرة تبلغ 5.6 مليارات دولار.
كما تسعى واشنطن للحفاظ على وجود عسكري في غرب أفريقيا بعد انسحابها من النيجر، وتشعر بالقلق من الوجود المتزايد للصين التي استثمرت أكثر من 14 مليار دولار في مشاريع الطاقة والبنية التحتية النيجيرية منذ 2018.
ردود أفعال حازمة من أفريقيا
رد الرئيس النيجيري بولا تينوبو بحسم على الاتهامات الأميركية، مؤكدا أن "وصف نيجيريا بأنها دولة غير متسامحة دينيا لا يعكس واقعنا الوطني"، فيما أصدر الاتحاد الأفريقي بيانا يحذر من "استغلال الدين كسلاح أو تبسيط التحديات الأمنية بشكل مفرط".
تشير هذه الردود إلى أن خطاب ترامب، رغم أنه قد يرضي قاعدته الإنجيلية، فإن تأثيره العملي هو المزيد من العزلة للولايات المتحدة والمزيد من الأفول لنجمها السياسي في القارة الأفريقية.
سابقة خطيرة للتدخل الخارجي
يمثل التهديد الأميركي لنيجيريا سابقة خطيرة قد تفتح الباب أمام تدخلات مماثلة في دول أخرى تحت ذرائع دينية. فإذا أقرت الولايات المتحدة أن ادعاءات الاضطهاد الديني تبرر التهديدات العسكرية، فقد يتوسع هذا المعيار ليشمل دولا أخرى ويفتح الباب أمام عودة الحروب ذات الطابع الديني.
كما قد تأتي هذه التهديدات بنتائج عكسية، إما بزعزعة استقرار نيجيريا وفتح المجال لدائرة أوسع من العنف الطائفي، أو بتسريع توجه البلاد ومن ورائها قوى أفريقية أخرى نحو الصين وروسيا.
في النهاية، يقدم هذا التهديد نموذجا واضحا على كيفية توظيف الخطاب الديني لتبرير استعراض فج للقوة الأميركية، في محاولة لإعادة تأكيد الهيمنة على عملية صنع القرار في دولة أفريقية ذات أهمية إستراتيجية واقتصادية كبيرة.